بقلم/ عبدالغني الحايس
الحقيقة الوحيدة في حياتنا هي الموت، ورغم ذلك يتجاهلها البعض، ويظن أنه سيعيش الي الأبد، فقد كان قدماء المصريين يعلمون ان هناك حياه اخري بعد الموت، فحرصوا علي دفن موتاهم ومعهم كل ما يلزمهم في تلك الحياه .
لكني كثير ما افكر في الموت، وقرأت الكثير عما يحدث بعد الموت، وادعو الله ان يحسن خاتمتنا، وان يخفف عن سكراته.
في مرضي الأخير كنت اره قريبا مني، يهمس في اذني، يقول لي استعد فالرحلة انتهت، شرود مستمر ، وصمت طويل، واستسلام لقدر الله .
الصراع الداخلي يشتد، صوت صارخ قوي ينادي انتظر، وصوت اخر يذكر قول الله تعالي :((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُون)).
وقوله تعالي: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، وتذكرت قول رسول الله عندما قال اكثروا من ذكر هادم اللذات.
فالموت حق، فلما الصراخ وطلب الإنتظار ، ستمضي الي قدرك المحتوم والي ساعتك التي كتبها الله عليك ولن تسطيع قوي في العالم ان تمنع قدر الله ، ولا وقت للبكاء .
قد شاهدت جنازتي، وقبلها وانا ممدد علي سرير أمي، فقد سلمت الروح الي بارئها، لكني اري من حولي يتباكون، وفي الخارج من يهمسون انه كان مريضا ولم يستطع التنفس، ويبررون الموت، حركة دؤوبة داخل المنزل، يجهزون الغسل يقف اخي ليغسلني ودموعه تتساقط من عينيه، ينادي والدي ليضع قبله علي راسي قبل الرحيل، لم يتمالك نفسه يتهاوي علي الأرض يساندونه ليجلس بجواري وقد تحجرت مقلتاه لم يقوي علي المسير، ينادون ان تدخل خشبة النعش لنذهب الي المسجد، يتوافد الزملاء والأقارب يقترب منهم البعض بجوار النعش يقرئون القرآن الكريم ويتمتمون بالدعاء .
وصديقي بن شداد اسمع تمتماته اركز مع كل حرف يخرج من قلبه وينطق به لسانه، أتذكر كل الحواديت والحكايات، كل الأحلام والطموحات التي رسمناها ونحن نجلس في عراء هذا الفضاء الواسع، تباعدنا بالجسد لكن الروح دائما كانت تتعانق في صمت، بين الحين وأخر يكون هناك اتصال بينا لكني أؤكد له انني لم انسي ما بينا يوما ما، وسيذهب معي الي قبري، حيث أضع صندوقي الأسود مغلقا، وليفتح هو ما أراد منه ان يرويه .
وصل الخبر متأخرا الي الأنتيمابن ثوره يناير الحالم المثالي في زمن يصل فيه الرعناء والانتهازيين، ويتساقط فيةآصحاب المبادئ، اسفت انه لم يكن في وداعي، لكنه وقف علي قبري يبكي في صمت أحلام انتهت وطويت صفحاتها، ابتسمت لرؤيته واتمني ان اسجل معه اخر واهم بودكاست تمناه، سأنتظرك دائما لتأتي وتحكي ما يجب أن تحكيه.
لا استطيع ان اكتب كل شيء فهناك الكثير والكثير ما يجب ان يحكي، وهذا المقال قليل الكلمات ضيق الصفحات لا يستوعب ما شاهدته.
تمنيت قبل ذلك أن أعيش في عوالم كثيرة، لأصحح للقائمين انهم سيخطئون في حق البشرية بأفعالهم، ويعودون الي الطريق الصحيح .
كنت سأقول للرماه في غزوه احد لا تتركوا مواقعكم، وللإمام الحسن ان غدر معاوية سيلحق بكم، وللحسين ان يصدق قول الفرزدق قلوبهم معك وسيوفهم عليك، ولكنني نسيت في خضم انفعالاتي ان الله قد كتب أقدار البلاد والعباد ولا تغيير لمشيئته جل وعلا .
وان قدر الله حتما مقضيا .
اترك تعليقا:
