بقلم/ عبدالغني الحايس
الموت هو الحقيقة الوحيدة فى حياتنا،الجميع ستأتى ساعته،لا يفرق الموت بين كبير وصغير ولا مريض وصحيح الكل سوف يموت .
انتظره مثل باقى الكائنات،كل لحظه اجده قريب منى يهمس انت مستعد،هل تجهزت بزادك للرحلة الطويلة،أم غفلت عنها ونسيتها،اقف مذعورا لا شىء معى لا زاد ولا زواد فكيف أسافر معك الأن ارجو أن تتركنى لأجهز عدتى .
نحن لا ننتظر اذا جاء الأجل فلا مفر
من هذا النداء الذى يطاردنى ؟ ولماذا علي أن أموت الأن ؟لم أحقق الكثير من أحلامى سرقتنى قسوة الحياة ومتاعبها،لم أهنأبعد،لم أسافر الى الأقصر و أسوان تلك الرحلة التى تمنيتها حيث أقابل حتشبسوت ورمسيس وأزور قبر توت عنخ آمون وأمشى على حذر فى وادى الملوك،لم نسافر الى رحلة الحج التى نعد لها منذ سنتين اتركنا حتى نتطهر من ذنوبنا،اتركنا لنولد من جديد .
ارجو ان تنتظر يجب أن أذهب لأطلب السماح من أبى وأمى وأشهدهم أمام الله انهم راضون عنى،لم ادخر جهد فى رضاهم ولكن أريد أن يطمنئن قلبى،أريد ان احتضن أمى وأسمع همهمات دعائها لى فأنا ابنها البكرى قالت :أننى أول فرحتها،ويناديها أهل القرية بإسمى،أنا معها طوال الوقت.
هل تعلم اننى أشبه أبى كثيرا الجميع يقول ذلك القريب والغريب كل من رآنا معا يقول نحن أخوة، فأبى مازل شابا برغم كبر سنة وأنا صرت عجوزا بفعل حكايات الزمن معى ،عليا أن أطلب الصفح منهما فرضاهم من رضا الله،كيف أذهب الى الله وهم يحملون أى غضاضة فى نفوسهم،خذوا كل ما املك سأتصدق بالأموال الى المحتاجين،اتعرف أمى تريد الذهاب الى الحج ولم استطع أن اجعلها تذهب اترك لى الفرصة لأحقق لها أمنيتها.
لاوقت قد قرب الأجل وانت مازلت تعبث،مازلت عصبيتك تؤذيك، ويتأذى منها من تنفعل عليهم، انهم يتمتمون فى سرهم يلعنوك فى الخفاء وبين بعضهم البعض .
أنا لم أفعل شىء حتى أنال كل تلك اللعنات،كنت أخلص فى عملى،كنت أتمنى لبلدى كل الخير،لم اغتصب شىء من احد،ولم أسعى الى ايذاء أحد مطلقا،تركت الأمور لله،وعلمت أن الثواب والجزاء لديه،لم أخضع لصاحب سلطان،لم يستهوينى منصب حتى أغير مبادىء،أحصد تلك اللعنات لأننى أردت أن اكون سويا مستقيما .
أنا ليس لدى ذنب،صحيح ان الموت لا يغفر الذنوب،بل يعجل الحساب،لكن اترك لى وقتا أسلم أوراقى،أعانق زوجتى العناق الأخير،أقول لها كم احببتك،صحيح هى لم تفهمنى أحيانا وكانت تجادلنى وتدافع عن موقفها و أرائها وكنت متفهم ذلك،لكنها طيبة،لا تتحمل صدمات الحياة وسيكون فراقى لها صدمة عنيفة ستطيح بها أعلم ذلك صدقنى ستنهار ،قلت لها مرار سأرحل عنك عما قريب فلا تجزعى وتتألمى،أوصيتها ان أدفن فى قبر بناه والدها حتى أكون بعيدا وينسانى الناس جميعا لكن هى لن تنسانى،تركت معها كثير من الذكريات،طبعت لها صور كثيرة تجمعنا،ساكون معها فى كل مكان تذهب اليه لاننى كنت هناك سترانى واراها .
لابد أنها قالت لوالدى رغبتى بأن أبقى هناك بعيدا ويسمح لها بأن ادفن حيث أردت .
مالى أرى أمى ينفطر قلبها اليس لديك رحمه أيها الموت تأخذنى منها،أنا كبيرها
ارحم أبى الرجل الكبير لم يعد يقوى على السير لم يستطع ان يودعنى الى القبر لم يحضر غسلى وتكفينى .
حتى اخى قتله الظلم وهو حى يقف بعيدا لا نرى له أثر مجرد ظل او سراب يأتى ويختفى حتى خنقة ظلم بنى الإنسان لن يقف يحصل على عزائى فأنا أكبر منه،تعلم كنا نتناقش فى السياسة والدين والفن والكرة ولم نختلف برغم خلافنا الفكرى، ولكن عتمة تلك الأيام هدمت كل الحوائط بيننا،أعلم انه لن يأتى ولن يسمحو له أن يأتى ولن يكون لى نصيب فى أن أراه .
الوقت يمر وبدأ ينفذ ولم تفعل شىء تتحدث فقط وعيونك تملأها الحيرة والغضب أتعرف كم عمرك الأن ؟ أتدرى أن قلبك لم يدخله الرضا؟ وانك قررت أن تبتعد عن الناس وتعيش فى عزلة اختيارية،تركت كل شىء تحبه بترددك وخوفك وقلقك،كنت تتكلم وتثرثر فى غرف مغلقة،وتتلعثم أمام الناس،ضيعتك عينيك فى القراءة ووقتك فى البحث عن لا شىء .
كانت أمامك الفرص لتحظى بكل ماتريد تستمتع.
انت شيطان ولست ملك الموت من جاء بك الى هنا فى هذا الوقت؟اتريد ان تذهب بى الى الجحيم لقد انجذبت الى غوايتك مرات واستغفرت الله واعلم ان الله غفر لى نعم اعلم فجرمى كان هين فاذهب عنى الان لا مكان لك معى اعوذ بك ومن غوايتك .
اين انت ايها الموت فلتخلصنى قبل ان يجرنى فى طريق الضلال،أنا ليس لى ذنب ولن استمع الى وسوسته،لم أعبث،وعشت فى رضا كامل بقضاء الله وقدره،لم أخاف على رزق ولم أجزع لإبتلاء قدره الله لى،كنت اسعد عند مرضى نعم كنت أكون سعيدا فالله معى يعودنى،صحيح هناك تقصير برغم أننى لم اترك فرض من الصلاة ولكننى كنت قليل الذهاب الى المسجد هذا حقا تقصير منى لكننى جاهز للرحلة نعم أنا جاهز .
الأن تموت
لكن أجعلنى أرى بعد موتى من يغسلنى؟من يبكى ؟ من حملنى الى قبرى؟ من جاء يحضر عزائى ؟ من أرسل برقية عزاء ؟
ماذا يفيدك من كل هذا الهراء انت اليوم ذاهب الى لقاء الله العادل،اليوم ستقوم قيامتك،تعرف اين المستقر اما جنه او الى نار .
سامحنى مازال معى من الدنيا بصيص سأتركه الآن وانسى،سيكون كل تفكيرى الأن فى لقاء ربى .
لكن لماذا يجرون بالنعش الى القبر ؟
لماذا لم تنفذ زوجتى وصيتى وأرسلونى الى قبر بناه أبى ؟
لم يعد يفيد كل هذا
قل لى :هل القبر ظلام ؟ هل ضغطه القبر تفتت الضلوع ؟ هل هناك ثعبان ؟ سأجاوب على سؤال الملكين فقلبى موقن بالإيمان،ستلف روحى فى رداء أخضر يصعد الى السماء معى كل حسناتى وسيئاتى ستمحو،سآخذ كتابى بيمينى،ورحمه ربى فوق كل هذا تنصرنى،وشفاعه نبينا محمد صلى الله علية وسلم من نصيبى،سأنتظر رحمه ربى،ودعاء امى وأبى وصديقى وسيدة عجوز لا أعلم اسمها تدعو لى .
تعلم عندما كانوا يصلوا الجنازة على كانت روحى تطوف المسجد وهناك وجدت صديقى الصدوق يبكى ودموعة تبلل لحيته رأيت فى عينه الرجاء وهو يطلب من الله لى الرحمة .
لكنهم تركونى وحدى وعادوا الى حياتهم،تذكرونى بعض الوقت فى تسامرهم،انتهى العزاء وأصحبت اليوم وحيدا لا انيس معى،لكن مازالت أختى تبكينى كانت سرى وجهرى هى لن تبوح بشىء ستتذكرنى دوما وتبتسم .
حاولت فى تلك الحياة أن يكتبنى التاريخ لا أن اكتب على شاهد قبر هنا يرقد فلان الفلانى لكنى سعيد فى رحلتى القادمة الطويلة الأبدية فلا انتهازيين ولا منافقين،لا كذب وافتراء هنا سأقابل كل ما احببتهم حتى فى خيالى .
تعرف اننى فى وقت رأيتنى احمل سيف وأقف فى غزوة بدر واحد وفتحت البلاد مع خالد بن الوليد نعم رأيتهم جميعا،وقفت أمام قبر الرسول فى المدينة والصحابة عمر وأبا بكر كانوا هنا يتجولون،وكان الرسول يخطب فى المسجد والصحابة يستمعون،شاهدت بيته وبيت امهات المؤمنين ،وفى الطريق الى مكة وفى شعابها وفى الغار نعم عشت معهم وأنا لم أراهم اليوم فقط استطيع أن أراهم .
حسابك بين يد الله هو الرحمن الرحيم هو الغفور الكريم له الأسماء الحسنى فادعو الله أن يحاسبك برحمته وليس عدله .
وانا لله وانا اليه راجعون
اترك تعليقا:
