-->
مساحة إعلانية

الجمعة، 2 سبتمبر 2022

رسالة إلى صديقي



بقلم/ مريم صبري
يؤمن نجيب محفوظ بأن الصمت هو مجرد محاولة أخيرة لجعلهم يفهمون ما كنا نحاول قوله دائما حين كنا نتكلم...و لكنه أخطأ حقاً؛ فالصمت خيبة أمل..الصمت دلالة علي الخذلان..الصمت هو المحطة الأخيرة التي إن وصلنا إليها، لن نعود أبدا...
في الصمت، تفني المشاعر، تصبح محايدة..و في الحياد هدوء؛ هدوء يجعلك تتعامل مع الأمور علي أنها لم تكن مهمة بالنسبة لك يوما ما..الحياد هو إعلان انتهاء الحب..الحياد و الصمت وجهان لعملة واحدة!
و كيف لها أن تصمت بعد كل تلك المحاولات؟ و كيف لها أن تصبح محايدة الآن دون سابق إنذار؟
نعم، لم يكن يوماً معها، و لكنه بعلم جيداً ما تخفيه في قلبها..و لكنها تعلم أيضاً السر وراء كل ذلك الجفاء..
تعلم منذ الرسالة الأولي..منذ سنوات..تعلم بأنه كان يحاول الهروب بعيداً عن كل من لعنه لأشياء لم تكن يوماً من صنعه..تعلم بأنه يظن أن لا أحد يثق به، ولا احد يؤمن بوجوده.. تعلم جيداً أنه يخشاها؛ بل يخشي خسارة من آمن بوجوده و جعله يشعر بأنه علي قيد الحياة مرة أخري...
فكيف لها أن تصمت الآن؟ كيف لها أن تزرع في قلبه الخوف بعدما آمن بوجودها هي الأخري؟ إن لم يكن يستحق المحاولة، فلما المثابرة؟ لماذا صمدت كل هذا الوقت و تحملت وصمها بالحماقة و السذاجة المفرطة؟
في الواقع، هي ليست بحمقاء، هي فقط لا تتخلي عن ما تؤمن به..
أما اليوم، و علي الرغم من قسمها بأن الرسالة السابقة ستكون الأخيرة لفترة طويلة، تشعر بأن الكون غير آمن من دونه..تشعر و كأن تلك الرسالة هي آخر ما يمدها بالحياة..تشعر و كأنه الكون؛ فهل لنا أن نتخلي عن البقاء علي قيد الحياة؟
جلست وحيدة في غرفتها؛ فهي تخشي أن تراها العرّافة و توّبخها بكلمات تعلم جيداً أنها ليست قاعدة، و تؤمن بأنه سيكون إستثناء منها...تعلم بأنه حتما سيأتي لرؤيتها للرد علي كل تلك الرسائل..تعلم جيداً بأنه سيختار الهروب معها في نهاية المطاف..
ربما ديسمبر سيكون موعدهم..
آه.. ديسمبر! ربما اقترب اكثر مما ينبغي..
دائماً ما كانت تنتظره بشغف كل عام؛ دائماً ما كانت تشعر و كأن الخلاص فيه من كل الهموم و ثقل الحياة؛ و دائماً ما كانت تؤمن بأنه سيأتي به.. حتماً سيأتي به!
تخشي انتظاره هذا العام، و مع اقتراب موعده، تشعر و كأنها تريد انهاء حياتها خشية من الخذلان؛ فهي تفضل الموت بإيمان بأنه كان سياتي يوماً ما في ديسمبر علي أن تنتظر خذلانه لها كل ليلة...
حتي تلك الرسالة، تخشي أن ترسلها له، فلن تحصل علي جواب منه كما جرت الأمور في الرسائل الأخري..
تشعر بأن تلك الرسالة ستكون خاصة جداً؛ خاصة لدرجة لا تسمح بألا تحصل على جواب عليها..
ربما ستقوم بتدوين تلك الرسالة و الاحتفاظ بها.. ربما لن ترسلها أبدا..و ربنا سننتظر قدومه حتي يفتش عنها و يقرأها دون ترتيب..
"عزيزي رفيق الروح،
تعلم جيداً بأنك ما تنادي روحي باسمه، حتي و إن توقفت عن الاعتراف بذلك..
لا علم لدي بما اريد أن أكتب حقا.. لأول مرة ترتجف يداي و أود لو ألقي بالقلم بعيداً..أخشي ضعفي؛ أشعر بأنني ساقوم بإرسال هذا الخطاب في محاولة مني لمعرفة ما تشعر به..
اريد السيطرة علي حروفي، و لكن ربما حروفي تلك هي التي لديها القدرة علي الفوز بك في النهاية.
ربما لا تعرف قدر نفسك، و لكني أعلم جيداً بأنك أفضل مما أظن، و أكثر مما أتمني..
أتدري ما الحب؟ لا اظن بأن تناقشنا في هذا بعد..و لكن دعني أسرد عليك ما أؤمن به..
فالحب و الامان وجهان لعملة واحدة..فالأمان هو البداية؛ فهو ما يشعرك بالراحة والهدوء، و هو ما يوقع علي روحك السكينة..
الأمان هو ما يمنحك الفرصة أن تُظهر ما بداخلك دون تفكير..و الأمان هو ما يجعلك تؤمن بأن من تحب يتقبلك كما أنت..
الأمان هو أن تثق بوجوده في كل ليلة حتي و إن لم يكن معك..
الأمان هو انعدام الشك..
الأمان هو ارسال كل تلك الباقات من الورود، و اليقين بأن من تحب لن يخذلك ابدا بإرسالها الي شخص آخر...
اعلم بأنك أهلٌ لذلك الأمان..حتي و إن لم تؤمن أنت بذلك!
أتدري لما اكتب لك الآن؟ ربما ليقيني بأن موعد لقاؤنا قريب جداً..و ربما لأذكر نفسي السبب وراء تلك المثابرة..
و ربما لاشتياقي لك..فباقة من ألف وردة حمراء لن تكفي الآن..
لا احد لديه القدرة علي تغيير مزاجي سواك..فكيف لك أن تتركني وحيدة حائرة؟ و كيف لي أن أصبر دون شقاء؟
ربما إن ارسلت لي بعض الورود سأفرح كثيراً..
ربما ورود بيضاء ستفي بالغرض..
او ربما رسالة منك بكلمة واحدة: اشتقت لكي..تلك ستجعلني اعاود المحاولة من جديد و كأني لم أحاول أبدا
او ربما لقاء..ذلك سيجعلني أفضل بكثير..سأقول لك كل ما تشعر به روحي.. حتماً ستشعر به! ربما تعطيني جواباً علي ما يتسائل به قلبي.. ربما الخلاص في ذلك اللقاء..
أشعر بأنه قريب جداً..
اقرب مما تظن!
يوماً ما، ستقرأ تلك الرسالة..سنقرأها معاً، و سأبوح لك بكل ما احمل من أسرار..
يوماً ما، سيعلن البحر عن انتصاري بك..
يوماً ما، سأقف أمام البحر؛ معلنةً له بأنني لم أكن حمقاء..
يوماً ما، سيرسل الاصدقاء السلام؛ لا يصدقون بأنك هنا..

 

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا:

الاكتر شيوعا